الميدان الرياضي : مستقبل الرياضة النسائية في السعودية
التاريخ : 2017-10-29

مستقبل الرياضة النسائية في السعودية

ريان الجدعاني
 
كان يوم 11 يوليو 2017 يوماً تاريخياً لمسيرة الرياضة النسائية في المملكة العربية السعودية والذي شهد إصدار وزارة التعليم السعودية قرار بتطبيق مادة التربية الرياضية في مدارس الفتيات لمراحل الابتدائية والمتوسطة (الإعدادية) والثانوية، لتكون الرياضة النسائية في السعودية قد خطت أهم خطواتها للسير نحو العالمية في المستقبل.
 
قبل صدور هذا القرار، لم تكن مدارس البنات في السعودية تمارس الرياضة منذ تأسيس المملكة في عام 1932، حيث حملت السنوات الماضية صراعاً فكرياً بين أطياف المجتمع السعودي والذي انقسم إلى قسمين، فالقسم الأول هم الرافضون بشدة لفكرة ممارسة الفتيات الرياضة لأسباب فقهية كما يرونها، والقسم الثاني هم المطالبون بها بشدة لأهميتها في تنمية فكر وجسد المرأة وتكون بعيدة عن الأمراض كالسمنة والداء السكري والتي انتشرت بكثرة في المجتمع النسائي في السعودية بسبب غياب ثقافة الرياضة.
 
صحيح أن السعودية شهدت في أواخر التسعينات من القرن الماضي ظهور عدد قليل من الأندية النسائية الخاصة والتي تم بنائها من قبل سيدات الأعمال، وكانت مشيدة بطريقة محكمة حتى لا يتمكن الرجال من مشاهدة النساء وهن يمارسن الرياضية، إلا أن هذه الأندية بقية بعيدة كلياً عن نشر ثقافة الرياضة النسائية وبناء قاعدة صلبة للمشاركات الأولمبية بسبب ارتفاع أسعار الاشتراك فيها والتي اشتكين منها النساء، ليكون أثرها محدود بعكس مادة التربية البدنية في المدارس الحكومية والتي ستسهم بشكل كبير في ممارسة جميع فتيات المملكة الرياضة، لنكون بالفعل أمام نقطة تحول في مجال الرياضة النسائية.
 
صدور قرار وزارة التعليم السعودية أتى بالتنسيق مع الهيئة العامة للرياضة السعودية، وتحديداً من وكيلة الهيئة العامة للرياضة للتخطيط والتطوير الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان آل سعود، التي عملت منذ توليها المنصب في العام الماضي على تأسيس الرياضة النسائية داخل المملكة من الصفر، وجعل المرأة السعودية قادرة في المستقبل على تحقيق النجاحات والإنجازات في البطولات الدولية وعلى رأسها الألعاب الأولمبية.
قبل قدوم الأميرة ريما، وأيضاً قبل ظهور الخطة الحكومية الطموحة (رؤية 2030) والتي تسعى لنقل البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة بمختلف المجالات ومنها الرياضة، كان عام 2012 عاماً استثنائياً لرياضة المرأة في السعودية لأنه شهد مشاركة أول لاعبتين سعوديتين في دورة ألعاب أولمبياد لندن 2012، لاعبة الجري سارة عطار ولاعبة الجودو وجدان شهرخاني، إلا أنهن حققن نتائج سلبية للغاية والتي تكررت أيضاً في الأولمبياد التالية 2016 في ريو دي جانيرو البرازيلية بأربعة لاعبات، سارة عطار أيضاً ولاعبة المبارزة لبنى العمير ولاعبة الجودو جود فهمي ولاعبة الجري كاريمان أبوالجدايل.
 
يعود سبب ظهور النتائج السلبية إلى ضعف إعداد اللاعبات السعوديات لغياب المؤسسة التي تؤهل اللاعبة لتكون ناجحة في المنافسات الدولية، وهنا نتحدث عن أهمية دور المدرسة في صناعة جيل جديد قوي جسدياً وفكرياً قادر على تحقيق الميداليات في المنافسات الدولية، وهذا ما كان غائباً عن اللاعبات السعوديات الخمس اللاتي شاركن في أولمبياد لندن 2012 وريو دي جانيرو 2016.
 
 
عندما ننظر إلى الدول العملاقة رياضياً كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا واليابان سنجد بأنهم يصنعون نجومهم الأبطال من المدارس والجامعات عبر دوريات تقام سنوياً، لتفرز هذه الدوريات لاعبين ولاعبات يمتلكون القدرات الكافية لتمثيل وطنهم في المحفل الأولمبي وتحقيق الميداليات.
ولكن لنطرح سؤال مهم، بعد تطبيق مادة التربية البدنية في مدارس البنات داخل المملكة العربية السعودية، هل ستتطور الرياضة النسائية في السعودية؟ أم هناك أمور تحتاج للتعديل والإصلاح لكي تسير المنظومة الرياضية داخل السعودية بالشكل الصحيح؟
 
حالياً تعمل الحكومة السعودية جاهدة لنشر ثقافة الرياضة للمجتمع بحسب خطة (رؤية 2030) التي تركز في بند الرياضة على تخفيف نسبة المصابين بداء السكري والسمنة رجالاً ونساءً، إلا أنها تواجه ثلاث عقبات تقف كحجر عثرة أمام نشر وتطوير الرياضة النسائية، أولها ضعف مرافق أغلب المدارس السعودية، كغياب الملاعب وصالة التدريب، حيث تمتلك بعض المدارس ملاعب ترابية أو صالة تدريب متهالكة لغياب الصيانة الدورية في المدارس الحكومية، ليكون من المتوقع فشل بعض المدارس النسائية في تطبيق مادة التربية البدنية بسبب عدم توفر الملاعب المناسبة.
 
العقبة الثانية هي ضعف ثقافة المجتمع تجاه مفهوم التغذية الصحية، وأكبر مثال على ذلك الوجبة الشهيرة (الكبسة) والتي تحمل سعرات حرارية عالية والتي تسبب في ضعف اللياقة البدنية وارتفاع نسبة الدهون، وطبعاً سيكون من الصعب محاربة هذه الوجبة الشهيرة التي لا تخلو من أي بيت سعودي، لتكون معركة نشر التغذية الصحية أصعب بكثير من نشر مفهوم الرياضة النسائية داخل السعودية.
 
العقبة الثالثة التي لا تقل شأناً عن العقبتين السابقتين هي غياب المرافق العامة والتي تساعد عامة الشعب على ممارسة الرياضة في الهواء الطلق، حيث أسهم غياب الحدائق العامة التي تحوي على الملاعب والأدوات الرياضية في ضعف ثقافة ممارسة الرياضة، فلا يمكن للأب مثلاً أو الأم تشجيع أطفالهم على جعل ممارستهم للرياضة كنسق حياة دون وجود مرافق رياضية عامة تساعدهم على ممارستها بشكل دائم، وطبعاً الرياضة النسائية ستتأثر كثيراً من غياب هذه المرافق لأن مادة التربية البدنية لوحدها غير كافية لخلق رياضة نسائية قوية في المستقبل.
 
ماذا بعد مادة التربية البدنية؟
 
هذا هو السؤال الذي نحتاجه لكي نتمكن من تنمية الرياضة النسائية داخل السعودية بعد تطبيق مادة التربية البدنية، لأنه سيحفز قطاع التعليم والرياضة على الاستمرار في تنمية دور المرأة السعودية في الرياضة كالتعاقد مع المدربات ذو الكفاءة الرياضية، وقبلها توفير البيئة المناسبة للتدريب، والأهم من ذلك استمرار التعاون بين وزارة التعليم والهيئة العامة للرياضة من أجل صناعة امرأة سعودية قوية قادرة على رفع علم المملكة العربية السعودية في منصة الميداليات في الأولمبياد الدولية المقبلة.
عدد المشاهدات : [ 12370 ]
   
الإسم
البريد الإلكتروني
نص التعليق
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ،
ويحتفظ موقع ' الميدان الرياضي ' بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أو خروجا عن الموضوع المطروح ، علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .